في أيلول تنتهي معظم الأشياء الجميلة .. تنحسر الأعراس ومناسبات النجاح، تهدم معرشات البطيخ، تتهاوى جلسات آخر النهار امام البيوت، يلملم المغتربون الثواني الأخيرة من إجازاتهم، يسحبون خيط الفرح من سجادة الليل، يغلقون جيدا نوافذ شققهم، يغطون غرف الجلوس، يبحثون عن أحذية صغارهم، عن أوانيهم، عن صورهم، وعن بقاياهم التي أرخوها طيلة إجازة الصيف هنا وهناك .. يأخذون كل شيء ويرحلون..
سيارات تستثقل الرحيل تسير ببطء وحزن نحو الصحراء ،محملة بحقائب مشدودة ومحشوة برائحة البلد..أكياس ميرمية وزعتر، وزيت مخبأ من تشرين قديم، وعلم الأردن الذي أصر على حمله الأولاد بين الهدايا ودفاتر الرسم.. تفاصيل الصيف الدقيقة، سهرات لامست الفجر، ضحكات عشعشت في حناجر الجميع كلها ترافقهم نحو غربة الصحراء وغربة الجسد..
مع انطلاقة صوت المحرك..ندى الفجر يترقرق على زجاج النافذة، كما تترقرق دمعة الوداع على زجاج العين..تمضي بالأولاد وبشهد الأوقات حيث عام آخر من الألم والمسجات ومكالمات ما بعد التخفيض ..
على الطريق كل حين تقفز لافتة مكتوب عليها : الحدود80كم.. 60كم.. 30كم ..كلما قرأها المغترب .. سأل نفسه ذات السؤال السنوي ترى كم بقي عن حدود العمر حتى اصل؟ أي لقمة عيش هذه التي لا تشبعنا ابدا؟..
*** في مبنى المغادرين وفي ذات التوقيت من كل عام، أدير ظهري متأثرا..كلما رأيت معانقة بين أم وابنها، أو طفل مع والده، او زوج مع زوجته .. ألثم بعيني وجه العلم وأقول: يا لهذا الوطن الذي له قلب أم، أحرقه كثرة الغياب وأثقلته حقائب السفر..متى ستضم أبناءك تحت جناحيك وتستريح...
أيها العائدون الى غربتكم ..هلا أعطيتم قلبي إجازة ..